الطرق الصوفية المغربية في مرمى الاستهداف: هل تكرر الجزائر سيناريو التجانية مع البودشيشية؟

المرصد الإعلامي – محمد أبوخصيب
ظلت الطرق الصوفية عبر التاريخ المغربي اختصاصاً حصرياً لإمارة المؤمنين والإمامة العظمى، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من النسيج الديني والروحي للمملكة. هذا التقليد العريق، الذي يمتد لقرون من الزمن، يواجه اليوم تحدياً خطيراً من خلال محاولات منهجية لتعميق هوة الخلاف داخل الطريقة القادرية البودشيشية والانزياح عن شرعية الوصية والسر المتجسدة في شخص الدكتور منير القادري بودشيش. إن هذه المحاولات، التي تبدو في ظاهرها خلافات داخلية طبيعية، قد تخفي في طياتها مخططاً أوسع يهدف إلى كسر هذا الاحتكار التاريخي لإمارة المؤمنين على الحقل الصوفي المغربي، وفتح الباب أمام تدخلات خارجية تستهدف النسيج الديني للمملكة من جذوره.
تمتلك الجزائر سجلاً حافلاً في استغلال الخلافات الداخلية للطرق الصوفية المغربية لتحقيق مكاسب جيوسياسية، والطريقة التجانية خير مثال على ذلك. فقد نجحت الجزائر، من خلال استراتيجية محكمة ومدروسة، في استغلال التوترات الداخلية وخلق انقسامات حادة داخل الطريقة التجانية، مما مكنها من تأسيس مراكز تجانية “مضادة” في عين ماضي تدعي الأصالة والشرعية، وبالتالي تقسيم مريديها عبر العالم. هذا النجاح الجزائري في تشريد الطريقة التجانية ساهم في تراجع النفوذ المغربي في عدد من الدول الأفريقية التي كانت ترى في فاس مرجعيتها الروحية الأساسية، بينما كسبت الجزائر رهان الطريقة في هذه الدول وحولتها إلى أدوات لنفوذها الديني والسياسي.
تشير المعطيات المتوفرة إلى أن المخابرات الجزائرية تحركت بشكل استباقي لاستثمار الأزمة الحالية في الزاوية البودشيشية، من خلال دعم عبد الحفيظ الصوفي، نجل محمد الصوفي الذي يُعتبر شيخ الطريقة البودشيشية في تلمسان بالجزائر. هذا الدعم ليس عفوياً، بل يهدف إلى خلق مرجعية “جزائرية” للطريقة البودشيشية تتنافس مع المرجعية الأصلية في مداغ بالمغرب. إن استغلال أي ضعف أو تراجع في موقف الدكتور منير القادري بودشيش، صاحب الوصية الشرعية والوريث الطبيعي للسر، سيفتح المجال واسعاً أمام هذا المخطط الجزائري لتكرار نفس السيناريو الذي طُبق بنجاح مع الطريقة التجانية، مما قد يؤدي إلى تفكك الطريقة القادرية وانقسامها لصالح المصالح الجزائرية.
إن ما يجري اليوم حول الزاوية البودشيشية ليس مجرد صراع على الخلافة، بل معركة حقيقية من أجل الحفاظ على الهوية الروحية المغربية وحماية الاختصاص التاريخي لإمارة المؤمنين في الحقل الصوفي. فالجهات التي تحاول تعميق الخلافات وإضعاف موقف الدكتور منير، سواء كانت تدرك ذلك أم لا، تقدم خدمة جليلة للاستراتيجية الجزائرية الهادفة إلى كسر الهيمنة المغربية على الطرق الصوفية في المنطقة. إن الحفاظ على وحدة الطريقة تحت القيادة الشرعية لصاحب الوصية ليس فقط مسألة تنظيمية داخلية، بل ضرورة استراتيجية لحماية النفوذ الروحي والثقافي للمغرب في العالم، خاصة في القارة الأفريقية حيث تلعب الطرق الصوفية دوراً محورياً في تشكيل الولاءات والتوجهات السياسية والثقافية للشعوب.