تأهيل الشأن الديني في شقه الصوفي في ضوء الياسينية الجديدة والزاوية البودشيشية حقل تجارب

المرصد الإعلامي – أبو أحمد
تشهد الساحة الدينية المغربية اليوم توتراً غير مسبوق داخل أعرق مؤسساتها الصوفية، وآخرها ما يحدث في الزاوية القادرية البودشيشية بعد وفاة شيخها. هذا التوتر ليس مجرد خلاف عائلي أو صراع على النفوذ، بل قد يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإعادة تأهيل الحقل الديني المغربي وفق منظور جديد يتبنى مفاهيم “الخلافة على منهاج النبوة” كما طرحها عبد السلام ياسين. إن الاستهداف المنهجي للطرق الصوفية التقليدية، التي تشكل الحصن الأخير لإمارة المؤمنين، يثير تساؤلات جدية حول وجود فاعلين داخليين يسعون لتقويض الأسس الروحية للنظام السياسي المغربي من الداخل.
في خضم هذا الصراع الخفي، يقف الدكتور منير القادري بودشيش، صاحب الوصية الشرعية والوريث الطبيعي لسر الطريقة، في مواجهة تحدٍ مزدوج. فمن جهة، يواجه ضغوطاً داخلية تدفعه للتنازل عن حقوقه الشرعية تحت شعارات براقة حول “تجنب الفتنة” و”حفظ الوحدة”، ومن جهة أخرى، يجد نفسه أمام محاولات خفية لاستغلال أي تراجع منه لتمرير أجندات سياسية غريبة عن التقليد الصوفي المغربي الأصيل. إن تمسك الدكتور منير بوصيته الشرعية ودوره كموجه وحكيم للطريقة، رغم الضغوط المتزايدة، يعكس وعياً عميقاً بخطورة اللحظة التاريخية التي تمر بها الطرق الصوفية في المغرب ومؤسسة إمارة المؤمنين بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
ما يثير القلق أكثر هو تسلل مفاهيم “الخلافة على منهاج النبوة” الياسينية إلى قلب النقاش حول أزمة الزاوية البودشيشية. فبدلاً من الحديث عن الوصية الشرعية والتقليد الصوفي العريق، نجد أصواتاً تروج لمفاهيم جديدة حول “الشورى” و”البيعة الشعبية” و”رفض الوراثة الروحية”، وهي مفاهيم تتقاطع بوضوح مع الأدبيات السياسية لجماعة العدل والإحسان. هذا التسلل الأيديولوجي ليس عفوياً، بل يبدو جزءاً من مخطط أوسع لإعادة تعريف طبيعة السلطة الروحية في المغرب بما يتماشى مع النموذج الياسيني الذي يرفض شرعية إمارة المؤمنين ويدعو لنظام “خلافة” بديل.
إن المراقب الدقيق لتطورات الأزمة في الزاوية البودشيشية يلاحظ وجود فاعلين مؤثرين يعملون في الظل لتوجيه مسار الأحداث نحو وجهة محددة. هؤلاء الفاعلون، الذين قد يكونون من داخل الحقل الديني أو من خارجه، يستغلون أي خلاف داخلي لتمرير خطاب جديد حول “ديمقراطية الاختيار” و”رفض الوصية” و”حق الأمة في اختيار قادتها الروحيين”. هذا الخطاب، رغم بريقه الظاهري، يخفي في طياته محاولة منهجية لتقويض مفهوم البيعة التقليدي الذي تقوم عليه إمارة المؤمنين، وإحلال نموذج ياسيني جديد يقوم على “الشورى الملزمة” و”الخلافة المنتخبة” كما طرحتها جماعة العدل والإحسان في أدبياتها السياسية.
في النهاية، ما يحدث في الزاوية البودشيشية ليس مجرد أزمة عائلية أو صراع على النفوذ، بل قد يكون بداية تحدٍ وجودي لأسس النظام السياسي المغربي نفسه. فإذا نجحت محاولات تقويض مبدأ الوصاية الشرعية في أعرق الطرق الصوفية، فهل ستكون المرحلة التالية ستكون استهداف مؤسسة إمارة المؤمنين ذاتها تحت نفس الذرائع والمبررات؟ هنا تتضح أهمية موقف الدكتور منير القادري بودشيش الذي يدافع، بتمسكه بوصيته الشرعية وحكمته في إدارة الأزمة، عن أكثر من مجرد حق شخصي – إنه يدافع عن نموذج سياسي وروحي متجذر في التاريخ المغربي ضد محاولات الاختراق الأيديولوجي الذي يهدد استقرار البلاد من الداخل.