رسالة من قبل العاصفة: كيف أسس أحمد توفيق للصراع وحاول إجهاض الوصية الشرعية البودشيشية؟

محمد أبوخصيب
تتداول مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام وثيقة يزعم أنها رسالة من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق إلى الدكتور منير القادري البودشيش، يعود تاريخها إلى ما قبل ثلاث سنوات، وذلك في سياق الحديث عن الخلافات الأخيرة داخل الطريقة القادرية البودشيشية.
هذه الوثيقة، إن صحت، تطرح تساؤلات جدية حول طبيعة العلاقة بين السلطة الرسمية والمؤسسات الصوفية، وتكشف عن رسائل رمزية قد تحمل في طياتها تهديدات مبطنة تحت غطاء النصح الأخوي. ففي ظل الرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في ترسيخ مبادئ وسطية الدين واعتداله، تبرز أهمية الحفاظ على استقلالية المؤسسات الروحية ضمن إطار احترام إمارة المؤمنين.
وتتضمن الوثيقة المسربة عبارات قد تبدو للوهلة الأولى نصائح أخوية، لكنها تحمل في عمقها رسائل تحذيرية واضحة. فالحديث عن “عدم استبعاد الإخوة الثلاثة غير سيدي معاذ” وكونهم “بجانبك وهو المنافس لك” يمكن أن يفهم كإشارة إلى ضرورة التنازل عن المواقف القيادية لصالح أطراف أخرى. كما أن التلميح إلى أن “الشقاق الذي وقع بين أولاد مولاي بوعزة وأحفادهم” وربطه بـ”تدخل الصالحون لإصلاح ذات البين” يحمل رسالة واضحة حول إمكانية التدخل الخارجي لحل النزاعات الداخلية. هذه الصياغات، رغم طابعها النصحي الظاهر، تكشف عن استراتيجية ضغط مدروسة تهدف إلى توجيه سيدي منير نحو قرارات محددة.
الأخطر في هذه الرسائل الرمزية هو محاولة فرض توجه معين على الطريقة الصوفية، حيث تشير الوثيقة إلى ضرورة “التخلي عن فكرتك في استعجال المشيخة” و”الابتعاد عن جميع من يتملقونك من طلاب الدنيا”. هذا التوجه، إن صح، يعكس رغبة في تحويل الطريقة من مسارها العرفاني العميق إلى نموذج تبريكي فلكلوري يخدم أجندات سياسية أكثر من كونه يخدم التوجه الروحي الأصيل. فالدعوة إلى “عدم الضغط على سيدنا الشيخ والدك في أي اتجاه من الاتجاهات” مع التأكيد على أن “الطريق بحاجة إلى انسحابك التام” تبدو كمحاولة لإقصاء صاحب الرؤية العرفانية لصالح توجه أكثر انسجاما مع التوقعات الرسمية.
إن هذه الوثيقة، إن ثبتت صحتها، تطرح أسئلة جوهرية حول حدود التدخل الرسمي في الشؤون الصوفية وتأثير ذلك على أصالة التجربة الروحية. فالحديث عن “الشركاء في الطريق” و”صاحب الجلالة حفظه الله” في سياق يبدو كتذكير بالقوة السياسية يثير المخاوف حول محاولة استغلال مؤسسة امير المؤمنين لتوجيه الخيارات الروحية وهي بعيدة كل البعد عن هذه الصراعات.
وفي ظل حرص جلالة الملك محمد السادس على ضمان وسطية الدين واعتداله، من المهم التأكيد على أن هذا التوجه الحكيم لا يعني التحكم المباشر في التوجهات الصوفية، بل احترام تنوعها ضمن إطار الثوابت الدينية للمملكة.
إن الحفاظ على التوازن بين احترام إمارة المؤمنين وضمان الحرية الروحية للطرق الصوفية يبقى تحديا يتطلب حكمة وتبصراً، بعيدا عن أي محاولات لصناعة “شيوخ تبريكيين” على حساب الأصالة العرفانية التي تميز التصوف المغربي.